هو الإمام الحبر العابد، عبدالله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، أسلم قبل أبيه، وله مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل، حمل عن النبي علما جما، وهاجر بعد سنة سبع، وشهد بعض المغازي وكتب الكثير بإذن النبي وترخيصه له في الكتابة.
وعن فضائله رضي الله عنه أشار الدكتور علوي امين الاستاذ بجامعة الازهر الى ما ترويه لنا كتب التاريخ الاسلامي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: نعم أهل البيت أبوعبدالله، وأم عبدالله، وعبدالله.
وفي رواية: عمرو بن العاص من صالحي قريش ونعم أهل البيت أبوعبدالله وأم عبدالله وعبدالله.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: كنت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فقال: هل تدري من معنا في البيت؟. قلت: من يارسول الله؟ قال: جبريل عليه السلام. قلت: السلام عليك يا جبريل ورحمة الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد رد عليك السلام:
العابد الباكي
كما كان عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أنموذجا للتعبد الخالص فعنه قال: زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت على لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصلاة والصوم، فجاء عمرو بن العاص أبوه كنته حتى دخل عليها فقال: كيف وجدت بعلك؟
قالت: خير الرجال، أو كخير البعولة، من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل علي فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت؟ قال: ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني. فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال لي: أتصوم النهار؟ قلت: نعم. قال: وتقوم الليل؟. قلت: نعم. قال: ولكني أصوم وأفطر. وأصلى وأنام، وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقال: اقرأ القرآن في كل شهر. قلت: إني أجدني أقوى من ذلك. قال: فاقرأه في كل عشرة أيام. قلت: إني أجدني أقوى من ذلك.
قال: فاقرأه في كل ثلاث. ثم قال: صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفقني حتى قال: صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام، وهو صيام أخي داود.
قال حصين في حديثه: ثم قال صلى الله عليه وسلم : عن عبدالله بن عمرو، قال: فإن لكل عابد شرة، ولكل شرة فترة، فإما إلى سنة وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: ... فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك.
وهذا السيد العابد الصاحب - أي عبدالله بن عمرو - كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبدالله بن عمرو، قال: عن أبي هريرة “رضي الله عنه” قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله: صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ماكان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبدالله بن عمرو قال: قلت: يارسول الله أكتب ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم فإني لا أقول إلا حقا. وعن يعلي بن عطاء عن أبيه قال: كنت أصنع الكحل لعبدالله بن عمرو، وكان يطفىء السراج بالليل، ثم يبكي حتى رسعت عيناه. (أي تغيرتا وفسدتا، والتصقت أجفانهما). وعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: لأن ادمع دمعة من خشية الله عز وجل أحب إليّ من أن أتصدق بألف دينار.
“ليتني مت قبلها”
وفي إحدى المناسبات.. شكا عمرو بن العاص ولده عبدالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال صلى الله عليه وسلم: لعبدالله: أطع أباك مادام حيا.
وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم الى جوار ربه، ودارت عجلة الزمن.. ولما نشب القتال في صفين كان عبدالله بن عمرو، مع أبيه في جيش معاوية رضي الله عنه، وشهد القتال ولم يضرب بسيف ولم يرم بسهم، فقال له معاوية: “فما بالك معنا”؟
قال: “إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطع أباك مادام حيا فأنا معكم، ولست أقاتل”. ورغم هذا.. كان يقول: “مالي ولصفين؟ مالي ولقتال المسلمين؟ لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة أو قال بعشر سنين أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا رميت بسهم”.
وعن عبيد بن سعيد أنه دخل مع عبدالله بن عمرو المسجد الحرام، والكعبة محترقة حين أدبر جيش حصين بن نمير والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف وبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنته. فقال: أيها الناس والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلو ابن نبيكم، ومحرقو بيت ربكم، لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة. فقد فعلتم، فانتظروا نقمة الله فليلبسنكم شيعا، ويذيق بعضكم بأس بعض.
وعن وفاته رضي الله عنه قال يحيي بن بكير: توفى عبدالله بن عمرو بمصر، ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين. كنت واقفا بباب مروان حين أتي بالأكدر... وكان قتل الأكدر للنصف من جمادى الآخرة سنة خمس وستين، ويومئذ توفى عبدالله بن عمرو بن العاص، فلم يستطع أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لتشغيب الجند على مروان فدفن في داره، رضي الله عنه وأرضاه.